آخر الأخبار
من أشهر قصائد الحب في الأدب السقطري
قصيدة غزلية اشتهرت في القطاع الغربي من الأرخبيل خاصة، يذكر أن أحداثها واقعية، حيث مازالت قبيلة من قبائل تلك الناحية تؤكد صدق جريان أحداثها وصدق وقوعها، كما يؤكد رجال تلك القبيلة انتسابهم إلى البطل الثاني في أحداث القصيدة وهو المقصود بهذا النموذج الغزلي الراقي.
جاءت هذه القصيدة على لسان امرأة على خلاف النمط الأشهر وهو تغزل الرجال بالنساء؛ ولم تبح المرأة بتلك المشاعر الفياضة ولم تتخط قواعد الحب وأعراف الغزل في ذلك المجتمع المحافظ إلا لأنها أحبت هذا الرجل بصدق.
لم يصل إلينا اسم هذه المرأة الشاعرة ولا إلى أي قبيلة تنتمي؟؛ لأن ذكر اسم النساء والتشهير بهن من المسائل التي يتحفظ عليها المجتمع ويعدها من العيوب، وقد يصل إلى نشوب القتال، وفي المقابل خلدت القصيدة اسم الرجل المتغزل به وهو (حبصوه).
وهذه القصيدة تتمتع ببلاغة عالية، وعاطفة راقية، ولن يسعنا المجال لتحليل كافة أبيات القصيدة وبيان معانيها ودلالاتها فقط نركز على بعض المختارات من ذلك:
لديباعر هك من دامي صابح قان دمراڛى
ليعمر من تيفط أحورى من مصبغ كر أشصابغ
ولط حبصوه أغابر عبر صح كقعى ماطر
عم عمك دي صطر قاطن أل عد يوحل ملخى
بدأت الشاعرة نصها بتمن وهو: أن تتمكن من القيام من نومها ليلا، وعندما يحين الصباح الباكر تلقى حبيبها، ومن المحتمل أن المكان بعيد يقتضي السير من الليل إلى حلول الصباح:
لديباعر هك من دامي صابح قان دمراڛى
حددت الشاعرة مع هذا التبكير مكان اللقاء(قان دمراڛى)، وقدمت الحجة بحيث لو رأها شخص ما أو استنكر تبكيرها:
ليعمر من تيفط أحورى من مصبغ كر أشصابغ
ولط حبصوه أغابر عبر صح كقعى ماطر
والمعنى فليقول من رآني أني أبحث عن نوع من شجر الحطب يدعى(تيفط) أجمعه من أجل التدفئة، وعندها لألقى حبصوه حين يخط الصباح خطوطه وتفتح له الروابي والوهاد أبوابها.
عم عمك دي صطر قاطن أل عد يوحل ملخى
ختمت الشاعرة هذه المقطوعة بتساؤل كأنها توجه إلى متلق حاضر غائب تتخيله، وهكذا عادة الشعراء منذ القدم فقد كانوا يتخيلون شخصا أو اثنين أو أكثر يوجهون لهم الخطاب:(قفا نبكي، وقوفا بها صحبي...).
تحدد الشاعرة بهذا السؤال الموجه إلى شخص خيالي موقعها الكائن عند رقبة الجبل(قاطن)، وموقع عشيقها الكائن في مكان منخفض، وهذا السؤال استنكاري لا يحتاج إلى جواب والمعنى العام: هل تقول إن من سكن الأعالي لا يستطيع النزول إلى الأسفل؟!!.
بعد هذه المقطوعة التوصيفية لأزمنة ومكانات اللقاء، وما صحبها من تساؤلات وردود دعمت الشاعرة تأكيد حبها لحبصوه بجملة من الأماني التي تماهت فيها شخصيتها في حضرة حبيبها، فتمنت أن تكون خاتمًا أصيلًا في أصابعه لا يبلى مع الاستخدام الطويل، وحددت حجم الخاتم صغير الدوائر ثابت لا يتحرك، ولو حاولوا إخراجه لا يخرج أبدًا فقالت:
لَدِيِكَنْ هَكْ حَوُلَلَاْ بَتِيِهَنْ بَقَطْهَنِيْتَنْ
كُرْ كَفُوُقِكْ أَلْ يَشْفُقِيْ وكَا أَرْقَحْكْ أَلْ يَشْرَاقَحْ
تمنت المرأة أيضا أن تكون شيئا هلاميا خياليا ووجدت أنسب رمزا لذلك الشيء هو أن تكون حفرة ماء على باب بيت حبيبها، فإذا عطش شرب منها، وإذا اشتد الحر اغتسل فيها، وإذا ما جاء العصاة ليردوا نضبت واندثرت، وعندما يعود الحبيب تخرج عيونها من كل اتجاه، وذلك حتى تستأثر بحبيها دون الآخرين فقالت:
لَاكَنْ هَكْ حَلَمُوُتَىْ بَتَرْ هَكْ دِأَهْ دِيْ قَاعَرْ
كُرْ تَرُيّ كَطِيْمَئَكْ وَكَشِامُهْ تَرَاْبَحْ
وَكَجَدَحْ مَحَطَيْهَتَنْ تَقُهُدْ وَتَحْتَرَاْمَنْ
من أمانيها أيضا أن تكون وإياه في بيت واسع يحل عليهما ليل دائم، وأن تلد منه تسعة تحمل أحدهم بيدها، وتأخذ الآخر على ظهرها والآخر يتسلق الجدار:
لَبْرَى مَكْ بَرْهُوُ سَعَتَىْ عِڛَرَهْ دَيْ يَهَنْ بَابَيِهَنْ
أَحْفَفْ طدْ وطَدْ أَزُنَجْ وطَدْ يُوُحُلْ عَرَاْبَهْ
من دلائل صدق حب هذه المرأة فضلا عن تفجر موهبتها الشعرية تمنيها أتعابا شاقة قلما تتمناها امرأة في بداية تجربتها الزوجية أو ارتباطها برجل تحبه.
ساقت الشاعرة بصيغة التمني جملة من الأتعاب هي في نظرها منح، وهذه حقيقة القلب إذا ما أحب استعذب الألم وقد قيل ضرب الحب كأكل الزبيب.
من الأتعاب التي حولتها إلى أماني أن تنجب من حبيبها حبصوه تسعة أولاد، ومن الغريب أنها تجاوزت ذكر مشاق الحمل والولادة فهي في تصورها وإن كانت شاقة مجهدة إلا أن مدتها قصيرة، وفصلت في أتعاب أخرى طويلة الأمد هي أتعاب الرضاع والحمل على الظهر والرعاية الدائمة من المخاطر.
أماني هذه وتمنياتها وربما دعوتها المضمرة من الأماني النادرة التي تجاوزت حدود أمنيات النساء، فهي منقطعة النظير أمانيها وتمنياتها، غريبة في تفكيرها، سياسية في اختيارها.. ينبغي أن تدون أنها الأعلى حبا وإعجابا وإخلاصا وصدقا قديما وحديثا.
*المقال خاص بالمهرية نت *