آخر الأخبار

اليمنيون يعيشون روحانية رمضان رغم المعاناة!

الإثنين, 18 مارس, 2024

ثمة شيء في أعماق الإنسان يدعوه لتناسي الواقع الأليم، لتجاهل ما يدور حوله من مرارات لا حصر لها، ثمة أمر يبقيه على قيد الأمل على الرغم من الألم المستمر، هكذا هو الإنسان اليمني، تتقاذفه أمواج الحياة كقطعة بالية تُركت على  سطح  بحرٍ غضوب؛  إلا أنه ما يزال على قيد الحياة وإن أصابه البلاء، على قيد الحياة وهذا يتطلب منه أن يكون أقوى،  أن يعيش كما يجب، أو بالأصح يحاول أن يكون كذلك، يتنازل عن أشياء كثيرة لينال الرضا والهدوء، يتجاهل مهمات كبيرة ليعيش بسلام داخلي،  وما أجمل السلام الداخلي الذي يشعر به الإنسان في هذا الشهر الفضيل.

لقد أهل شهر رمضان للمرة العاشرة منذ أن أُشعل فتيل الحرب في  هذه الأرض التي يحبها أهلها كثيرًا، الهلال  الرمضاني العاشر  أطل هذه المرة على سماء اليمن بحذرٍ  من أن  يغضب منه الناس الضعفاء، من أن يكون مصدرَ  قلق لمن لم يستطع توفير لقمة العيش، وهل هناك أكثر حرجًا من حضور ضيف على أناس غير مستعدين لاستقباله؟ 

لقد أطل الهلال الرمضاني على استحياء فتفجأ بقبول حسن من الناس لهذا الموسم الجميل، برزت ابتسامات عريضة على وجوه كساها الشحوب طوال العام،  ترددت المواويل الرمضانية على أفواه المارة داخل مدن اليمن جميعها؛ ترحيبًا بهذا الضيف العزيز الذي جاء ليطهر النفوس ويزيكها، الذي جاء  ليخفف من عناء الأرواح، ويغسل ما أصاب  الضمائر من غُثاء.

لا أجمل من أن تخرج من عالمك الذي تكابد فيه على مدار الساعة أمورًا لا طاقة لك بحملها، أن تخرج من عالم الحزن واليأس والهم الكبير، تنسى أو بالأصح تتناسى ما يدور حولك من مآس، صلاة تروايح  في أحد الجوامع القريبة لك هي   كفيلةٌ بأن تفعل في قلبك ما يفعله الغسيل في الملابس المتسخة، تعيد لك الحيوية والنشاط، تذكرك أن كل شيء فان وأن الرابح الوحيد في هذه الحياة هو من يربح الآخرة" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" هذا ما تفعله صلاة التراويح في قلوب اليمنيين ليعيشوا خلالها أجواء روحانية جميلة  تخفف عنهم عناء السنين وتزودهم  بطاقةٍ إيجابية عظيمة.

روحانية رمضان في اليمن تطغى على المعاناة وتجعل الناس يلتفتون نحوها غير مكترثين بما يحدثه الواقع الأليم في حياتهم التي أصبحت رهن الحصول على رمق العيش.

يمشي اليمني في طريقة فيسمع التسبيح والتهليل من أفواه من حوله، يرى علامات للتكافل الاجتماعي وإن كانت ضئيلة، حتى يشعر في نفسه أن اليمنيين هم كالجسد الواحد إذا جرح في جهة تضمد جراحه الجهة الأخرى وتساعده لتعود له العافية من جديد، فيظهر الإيثار على الرغم من الخصاصة التي تصيب الغالبية، يظهر العفو الجميل على الرغم من السخط الذي حل في قلوب الكثير.

روحانية رمضان هي دواء نفسي مَنَّ الله به على هذا الشعب الذي أتعبته الأزمات المتتالية، ليأخذ قسطًا من الراحة النفسية حتى يقوى جسده على تحمل المزيد من الأوجاع.

*المقال خاص بالمهرية نت*

المزيد من إفتخار عبده