آخر الأخبار

قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد !!

السبت, 26 أغسطس, 2023

حينما اقترن قيام الجمهورية اليمنية في مايو 1990 بالديمقراطية والتعددية السياسية،  نشط خطاب السلطة في مديح الديمقراطية والعلنية، وهي أي السلطة حتى الأمس كانت ذات منزع شمولي استبدادي تركت للأجهزة السرية إدارة البلاد طولاً وعرضاً، وحدها عملية التحول السياسي في عالم مضطرب هي التي جعلتها تزاود  بهكذا خطاب، وحينما ضاقت بالصوت المعارض، الذي لم تعتده أصلاً، انتجت سلسلة من الأزمات البنيوية العميقة التي افضت إلى الحرب، للهروب من جملة استحقاقات سياسية واقتصادية فرضتها عملية الانتقال.

في ذروة الأزمة وباسم الديمقراطية عملت السلطة المستكلبة على شق الأحزاب وتفريخها إلى أجنحة متعددة ( البعثيون والناصريون)، واستنبات كيانات ثأرية باسم مظالم المرحلة الماضية في الجنوب دون الشمال، ودعمت العديد من الصحف والمطبوعات التحريضية  ضداً على التأريخ الآثم  للرفاق كما كانت تقول و تسوِّق.

 وحينما خاضت حرب الاستباحة في صيف 1994م وظفت الشعار في اتجاه إدانة الخصوم، وحينما عملت على طمس توافقات قيام دولة الوحدة بإنتاج دستورا ناسقاً لشروط قيام الدولة وأعاد تكريس سلطة الفرد بدلاً عن مجلس الرئاسة، وسلبت اليمنيين الكثير من الحقوق، قبل أن تقوم ذات السلطة بتعديلات ثانية  مع مطلع الألفية، تركزت على منح صلاحيات اكثر للحاكم الفرد، بدأت من الحقبة الرئاسية التي صارت جديدة، ومن لحظة التعديل ( قلع العداد) ، وبدلاً عن خمس سنوات صارت المدة سبعاً.

أقلام في المعارضة وخارجها كتبت باسهاب عن الديكتاتورية المخاتلة التي يسوِّقها النظام بلبوس الديمقراطية، ووصلت الكتابة إلى تعرية السلطة، وكان حينما يخطب الرئيس، يركز على نصح الاخرين بمعالجة مثالب الديمقراطية التي تراها السلطة بمزيد من الديمقراطية .. يعني معالجة الخواء الفعلي بمزيد من الخواء( كما يقول الواقع)

شاعت عن علي عبد الله صالح  مقولة : دعهم يقولوا ويكتبوا  ونحن سنفعل ما نريد !! يعني أنه يمتلك القوة والثروة والتأثير، ولا يملك خصومه غير الكلام عديم التأثير،  استخدم، وبألاعيب كثيرة، أدوات السلطة بالرغيب والترهيب لامتصاص الأصوات العالية، بما فيها قيادات حزبية ذات حضور كبير وتأثير على قواعد  وبنى الأحزاب التنظيمية.

ما كانت تظنه سلطة صالح ، وهي في أوج قوتها وجبروتها،  كلاما عديم الجدوى والتأثير يسيل من أقلام المعارضين وحناجرهم في الاعتصامات، صار فعلاً مزلزلا مع مطلع العام 2011 في شمال البلاد وجنوبها ! احدث ذلك التحول الذي ما فتئت السلطة المنقسمة من التوحد ضده وإفراغه من محتواه

اليوم تضج مواقع التواصل بالكتابة عن فساد واستبداد الحوثيين واحتكارهم للسلطة والثروة بقوة السلاح، ولم يعد الخوق من بطشهم وجبروتهم يمنع عشرات الأقلام  من قول كلام قاس وصادق بحقهم كسلطة  عصبوية مغلقة ، كان يصعب قوله قبل سنوات قليلة، حين كانت الجماعة تدير معتقلا كبيرا، هو كل المناطق التي تحت سيطرتها.

لم تعرَّ سلطة في البلاد منذ عقود طويلة مثلما تُعرى في المواقع ووسائط التواصل  والفضاء العام( في المفاهي والمقايل وفي المواصلات العامة) سلطة الحوثيين، ولم تكتسب غيرها من السلطات  الغاشمة المتعاقبة كراهية مثلما  اكتسبته هذه الحركة التي استعدت كل فئات الشعب ، بما فيها أسر هاشمية كانت جزء من تركيبتها السياسية ، غير أن التوجه المناطقي  الاستحواذي عمل على ازاحتها لصالح هاشميين  ثانويين من مناطق صعدة وحجة، تظنهم الجماعة أكثر ولاء وتضحية، و صاروا اليوم يمثلون الادارة العليا للسلطة والمتصرفون بمواردها الكبيرة التي تجتبى بطرق مختلفة من كل شيء، ولا تنفق منها شيئاً على خدمة المجتمع( في التعليم والصحة والخدمات)، وبدلا عن ذلك تنفق الكثير جداً على تقوية أدواتها  الاستبدادية ومشاريعها النفعية الخاصة،  التي تدار من قبل هؤلاء الموالين.

  بعد أن ورث الحوثيون فلسفة  سلطة صالح في ادارة البلاد باللازمات والفساد ونفوذ المحاسيب  يبرز اليوم السؤال المضاف: هل سيرثون  من ذات السلطة أيضاً تكتيكها السياسي في التعامل مع الأصوات الناقدة، باعتبار منتوجها فعلاً هوائياً عير ذي أثر علي على الشارع  ما دمت السلطة والثروة بيدهم ، وما دام هذا الصوت لم يمسس مقدس الحركة الرمزي.

 في ايران ولبنان والعراق يمكن للأقلام الناقدة أن تقول ما تشاء عن فساد حكومة الملالي وعبث حزب الله وتجاوزات الحشد الشعبي الطائقية ، لكن من الاستحالة توجيه النقد للمرشد ( الولي الفقيه) و(سماحة )السيد  و(الاستايز) نبيه ، ومقتدى الصدر ورفاقه.. وهو الأمر الذي يكرس اليوم في المناطق التي يسيطرون عليها.
 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023