آخر الأخبار

السعودية والإمارات واستدامة الفوضى والحرب في اليمن!

الإثنين, 24 يوليو, 2023

(1-2)
بدأت التدخلات السعودية والإمارتية في الحرب اليمنية تحت لافتة إنهاء الانقلاب الحوثي، والقضاء على التمدد الإيراني الذي وصل إلى خاصرة السعودية الجنوبية ومضيق باب المندب، لكن بعد تسعة أعوام اتضح أن ما كان شراكة أمنية عسكرية بين الدولتين لمحاربة أدوات دولة لديها مشروع ابتلاعي كبير، غدا اقتسام نفوذ ومصالح في البلد الذي أغرقه الشريكان في الفوضى والتفكك، ويقود وكلائهما أزمات معمقة على الأرض.
 
 
وفي الوقت الذي صار فيه الحوثي قوة عسكرية وأمنية واقتصادية أيضاً، بفعل التدليل الذي حظي به من ذات الدولتين وداعميه الاقليميين والدوليين -على حساب بقية مكونات الصراع (من أذرع أمنية وميليشاوية) أفرزتها الحرب- صارت الشرعية التي جاءت الدولتان لتثبيت حقها في إدارة البلاد جزءا من المشكلة، حين سمحت بتفكيك أدوات قوتها لصالح مكونات ميليشاوية وحزبية في الجسم الرخو فرضتها دولتا التحالف.
 
 
السعودية ومنذ انتصارها العسكري على قوات الإمام في حرب 1934، ووصول قواتها العسكرية (بأسلحتها البريطانية الحديثة) إلى الحديدة وبيت الفقيه، ثم إرغام المفاوضين الإماميين في الطائف على توقيع اتفاق، استقطعت بموجبه وبطرق مراوغة مناطق شاسعة من الأراضي اليمنية، أو ما كان يعرف بالمخلاف السليماني، دأبت على إنتاج موالين في بنية السلطة وقوى الضغط خارجها في ذات الوقت، كما سنلحظ.
 
 
في أواخر فبراير 1948 قامت السعودية باحتجاز وفد تقصي الحقائق الذي شكلته الجامعة العربية، الذي كان يرغب بالوصول إلى صنعاء للوقوف على حقيقة الأوضاع بعد الحركة الدستورية، والتي تم التنسيق مع الملك عبد العزيز بشأنها مع حلفائه الإخوانيين في مركزهم المصري، لكن خوف السعودية من أن تنُتج في الجوار سلطة تشاركية بموجبات نصوص (الدستور المقدس)، الذي قامت على أساسه الحركة (الثورة)، هو الذي قاد إلى إجهاضها، وليس بتبرير الملك الذى قال أن الدستوريين خالفوا الاتفاق وقتلوا الإمام الطاعن!.
 
 
ما تلقاه ولي العهد أحمد من دعم سعودي أثناء تواجده في مدينة حجة لحشد المقاتلين، بعد هروبه من تعز، ساهم بتسريع إسقاط الحركة واستباحة مدينة صنعاء بفتوى من الإمام الجديد؛ و بعد محاولة انقلاب الجيش في نهاية مارس 1955م ، كان الملك سعود أكبر الداعمين للإمام أحمد، بإرساله وفداً إلى تعز لتهنئة الإمام، قبل أن يقوم شخصياً بزيارة إلى صنعاء بعدها بأقل من عام، لترميم تصدعات بيت الحكم بعد اشتداد الصراع على ولاية العهد بين البدر والحسن شقيق الإمام أحمد، ثم قيام السعودية بفتح ثلاثة فروع للبنك الأهلي في الحديدة وتعز وصنعاء، ووضعت به ودائع نقدية بالجنيه الإسترليني باسم الإمام، حولت لاحقاً إلى حسابات في البنك الفرنسي، وهي المبالع التي تنازعت عليها خلال السبعينيات الحكومة اليمنية مع أسرة حميد الدين في المحاكم الفرنسية، والتي حكمت بها للحكومة.
 
 
بعد ثورة سبتمبر 1962م جندت كل إمكانياتها لمحاربتها والقضاء على النظام الجمهوري -المدعوم من جيش مصر ورئيسها الخالد جمال عبد الناصر الذي كان يؤرقها- وحشدت مرتزقة العالم وزودتهم الأموال والسلاح والذهب، ولم يتأتى لها ذلك إلا بعد نكسة حزيران /يونيو1967م، وخروج الجيش المصري من اليمن.
 
 
يحضرني هنا ما قاله القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري في الجزء الثالث من مذكراته عن أساليب وأدوات السعودية التي تآمرت على الثورة والنظام الجمهوري: "إن السعوديين لا يريدون سلاماً، وإنما يريدون استسلاماً، يريدون إلغاء الثورة والنظام الجمهوري، وهذا ما هو مرفوض من قبل جماهير الشعب، ونحن نفضِّل المضي في المقاومة مهما كانت النتائج، على أن نتحمل مسؤولية المساس بالنظام الجمهوري، ومكاسب الشعب اليمني لأن معناه إهدار كل التضحيات التي قدمها الشعب في سبيل ذلك " ص 27.
 
 
وفي منتصف ديسمبر 1967م (مع بدء اشتداد حصار مدينة صنعاء من قبل القوات الملكية المدعومة من السعودية) أرسل ببرقية واحدة للرؤساء والملوك العرب تدعوهم إلى التدخل لإيقاف (العدوان السعودي) على اليمن وجاء فيها:
"منذ قيام الجمهورية العربية اليمنية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م ، التي تعرفون ضرورتها لإنقاذ الشعب اليمني العربي المسلم من حياة التخلف والظلم والشقاء، في ظلِّ الأوضاع السابقة، وحكومة المملكة العربية السعودية تتدخل بشكل سافر في شئوننا الداخلية بدفع الذهب والسلاح، واستقدام المرتزقة الأجانب وتدريب وإيواء المخربين، مبررة ذلك كله بخوفها من وجود قوات مصرية في اليمن، منادية دوماً  بضرورة ترك اليمن لليمنيين، وجاءت اتفاقية الخرطوم بين الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر، لتنصِّ على انسحاب  القوات المصرية مقابل إيقاف السعودية لمساعداتها للمخربين، وها قد نفذت ج ع م {الجمهورية العربية المتحدة} تعهدها كلية، في حين ضاعفت السعودية مساعداتها  العسكرية والمالية لأعداء الشعب اليمني، في صورة غزو محموم بكميات خيالية من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والسيارات العسكرية، وأكياس الذهب الكثيرة، لمحاولة فرض حكم الأسرة المنحلة على إرادة الحياة والتطور لشعب عربي مسلم يرفضها متمسكاً بحقه الشرعي في التطور والاستقلال والتحرر. ص 33-34.
 
 
في رسالة ثانية للملوك والرؤساء العرب في 7 يناير 1968م قال: "إن السعودية تنفق الملايين من الذهب لتسفك به دماء إخوانها اليمنيين العرب المسلمين، ولتدمير القرى والمدن اليمنية، بينما لا تعطي هذه الحكومة من ثروات شعبها الطائلة لقضية العرب والمسلمين، قضية فلسطين، إلا على كرهٍ عطاء متبوع بالمنّ والأذى" ص 68.
 
 
ومنذ رعايتها لاتفاق المصالحة في مارس 1970 بين حكومة نوفمبر والملكيين أنتجت سلطة أئمة من أطياف حلفائها القبليين والتيار الديني والموالين العسكريين وواجهات ملكية تخفت في بنية النظام الجمهوري للتسريع بتآكله، وهذه السلطة لم تزل تعمل بكفاءة بالغة حتى وهي منقسمة على نفسها وتخوض حرباً بمقدرات اليمنيين وأرواحهم.
(يتبع) ...
 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023