آخر الأخبار
يقتل القتيل ويمشي في جنازته!
استحضرني هذا المثل العربي الشهير وأنا أتابع صفحات وزراء ومسؤولي الحكومة الشرعية ومنصاتهم في السوشيال ميديا وهي تغص بعبارات التعاطف والمدح والثناء للنساء اللواتي خرجن للتظاهر ضدّ فشلهم في إدارة مدينة صغيرة، فضلًا عن بلدٍ مترامي الأطراف.
فبعد أشهر من توافد المعلمين والأكاديميين والمواطنين إلى ساحة العروض في قلب مدينة عدن في (تظاهرة الجياع) جاء دور المرأة، حيث رفعت صوتها في (تظاهرة النسوان) لتقول كفى عبثًا يا حكومة الفساد.
حشود كبيرة للنساء في ساحة العروض، لم يخرجن للمطالبة بالمشاركة في صنع القرار، ولا بمنحهن مساحة من الحريات، ولا بإنصافهن كشريك فاعل في المجتمع، بل خرجن بحثًا عن نور في ليالي المدينة الغارقة في الظلام!.
هذا الصوت القادم من عدن لا يحتاج إلى تغريدة في منصة (إكس) أو منشور على فيسبوك، بقدر ما يحتاج إلى مراجعة جادّة لسياسة حكومة فشلت في تطبيع الحياة في مدينة كانت تنبض بالحياة!.
الصوت الذي يرتفع لأجل الكهرباء في مدينة تصل درجة حرارتها إلى أكثر من أربعين درجة مئوية هو صوت صادق لا يخالطه شك ولا تحركه غير المعاناة والألم.
هل تظنون أنّ تحوّلكم إلى ناشطين ومتعاطفين مع الاحتجاجات سيعفيكم من المسؤولية الأخلاقية أمام أمٍّ ضاق بها الحال تحت سقف منزلها وهي تشخص ببصرها نحو السماء بانتظار تحرّك المروحة!؟.
تعيشون أنتم وأهلكم في نعيم دائم دون الاكتراث لوضع من تتولون أمرهم، ثم تتحولون فجأة إلى ناشطين ومتعاطفين مع مأساة كنتم سببا فيها...!
هل فشل الصحفيون الذين تنفقون عليهم المبالغ الباهظة لتحسين صوركم أمام الرأي العام وتقديمكم كرجال دولة مخلصين لأوطانكم حتى تسابقتم للتعاطف مع مظلومية النسوان ومطالبهن المشروعة لتمثلوا دور ناشطين على منصات التواصل لا كمسؤولين عن إدارة بلد لديه موارد وإمكانات!.
في الدول التي تحترم نفسها يقف المسؤولون بكل شجاعة أمام مطالب شعوبهم المحقة، ويعملون ليل نهار على إصلاحها بكل ما لديهم من قدرات وإمكانات، وحين يعجزون عن معالجتها يقدمون استقالاتهم ويعتذرون للشعب، بينما يتوارى مسؤولونا خلف أقنعة مزيفة، ويتحولون إلى نشطاء يشكون سوء الوضع العام الذي يتولون إدارته بلا خجل...!
قبل فترة جمعني القدر بمسؤول حكومي يتخذ من المهجر مستقرًا له. وكنت أظنّ أنها فرصة لأعبّر ما في نفسي فهو مسؤول حكومي وأنا مواطن صحفي يقتلني الفضول لحال بلدي الذي ينهار يومًا بعد آخر، وما إن طرح الموضوع للنقاش إلا وبدأ الرجل يشكو انقطاع مرتبه وتعرّضه لضغوطات داخلية وخارجية للمساومة على موقفة الوطني.
وهذه ظاهرة لا تقف عند مسؤول واحد.. إنهم يحومون حول مصالحهم الشخصية، ويهمهم ترتيب وضع أولادهم بعيدًا عن معاناة الشعب المغلوب على أمره...!
جرّب تجلس في نقاش مع وزير أو وكيل وزارة أو حتى مدير عام ستجد نفسك في حرج مما يقوله، حتى تضطر أن تخرجه من محنته!.
سنوات من الفشل الحكومي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار.. العملة تتهاوى رغم ما يدفع من ودائع ومنح خارجية للبنك المركزي.. والخدمات تغيب والتعليم في شلل والناس تواجه مصيرها المحتوم، ثم ترى وزيرا يتولى حقيبة وزارية لأكثر من خمس سنوات وهو يتحدث عن المعاناة ويظهر التعاطف مع تظاهرة نسوية كانت الخيار الأخير أمام أمهاتنا وقد قتلهن الصيف الحار في عدن وكأن الناس تنتظر منشوره حتى تفيق...!
لقد تجسّد المعنى الحقيقي للمثل العربي الشهير القائل "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته" أين أنتم يا وزراء ومسؤولي الشرعية؟ لولا فشلكم وفسادكم ونفقات سفرياتكم وعبثكم لما مات الناس جوعًا وعطشًا وظلمًا.. فتبًا ثم تبًا لكم ولما تصنعون.!