آخر الأخبار

السعودية والإمارات واستدامة الفوضى والحرب في اليمن!

الثلاثاء, 08 أغسطس, 2023

 (2-2)
حافظت السعودية طيلة ثلاثة عقود على بنية سلطة متماسكة من أتباعها في الجمهورية العربية اليمنية (ضباط ومشايخ وقوى دينية وملكيين ورجال أعمال وسياسيين)، وعملت خلال السنوات العشر التالية لخروج القوات المصرية على محو التأثير المصري في الإدارة والتعليم والإعلام، فدعمت إنشاء تعليم ديني مواز عرف بـ(المعاهد العلمية) التي صدر قرار انشائها بعد أيام من صعود الرئيس ابراهيم الحمدي في يونيو 1974، بعد أن رفض القاضي الارياني التوقيع عليه، رغم أنه أحد بنود المصالحة التي رعتها بين القوى التي اقتسمت السلطة. وسلمت إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم لقيادة التيار الديني ليعبثوا بها، وذلك سلمت قطاع الارشاد بوزارة الأوقاف لهم، ليسيطروا بعدها على المساجد لتعمي الخطاب الوهابي المتطرف.

 وعملت في فترة التوترات بين الشطرين ابتداء من العام 1971م على تحريض السلطة في الشمال على خوض المعركة، ضد النظام الشيوعي في الجنوب بعد أن لم تستطيع كسره حرباً وسلماً، وأنها استدعت المشايخ وقيادة الجيش ووجوه المعارضة الجنوبية الموالين لها إلى الرياض وجده أكثر من مرة لهذا الغرض.

يقول القاضي عبد الرحمن الارياني، أنه في اكتوبر1971 عرض عليه رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رسالة من الأمير سلطان بن عبد العزيز موجهة لرئيس الأركان حسين المسوري يقول فيها أنه بلَغَهم أنَّا أمرنا بطرد الجنوبيين {يقصد المعارضين السياسيين} من صنعاء، ولا يدرون هل ذلك لعدم قيامهم بأي عمل جدي أو أنها سياسة جديدة، كما قال: أنه بلغه أن مسئولاً كبيراً قد اعترض على استمرارهم، أي السعوديين، في استقبال المشايخ الشماليين ومساعدتهم، فقلت للشيخ عبدالله نعم إني اعترضت على ذلك وبشدة، لأنهم بعد أن اعترفوا بالجمهورية يجب أن يقصروا تعاملهم مع حكومتها الشرعية, ويقول الارياني حررت رسالة صريحة إلى الملك فيصل، وفيها رأيت بعدم قبولنا لأن يعمل الجنوبيين من داخل حدود الشمال، وقلنا فيها: واذا كنتم تريدون مساعدتهم على تحرير بلادهم فعليهم أن ينطلقوا من داخل حدود المملكة، ويجعلوا لهم قاعدة داخل الجنوب، واذا كانوا يريدون البقاء في الشمال فأهلاً بهم، وهو وطنهم، وليكن بقاؤهم حيث يريدون على شرط الهدوء والسكون وعدم القيام بأي نشاط.

تحدث القاضي الارياني أيضا عن رسالة أخرى من الأمير سلطان ،تطالب بإطلاق أملاك الأسر الحاكمة{ بيت حميد الدين وحلفائهم}، ورد عليه إن في وسع المملكة تعويضهم عنها، واعتبارها جزء من تعويض الشعب اليمني لما ناله في الحرب من قتل وخراب ودمار. (ينظر الجزء الثالث من مذكرات الرئيس القاضي ص 536 وما بعدها).

يتضح من الرسائل أن السعودية لم تكن على وفاق مع الرئيس الإرياني، ولهذا لم تتمسك به وسهلت عملية ازاحته بانقلاب أبيض، لكنها أيضاً كانت بعد ذلك ضد سياسة الحمدي الذي انتهج سياسات تقارب مع القيادات الجنوبية، وفي فتحه ملفات حيوية مثل ملف أمن البحر الأحمر مع الدول المطلة عليه ( السودان والصومال وشطري اليمن)، وعملت على التخلص منه عبر أدواتها ونافذيها..

ابتداء من مرحلة الغشمي التي لم تمتد لأكثر من ثمانية أشهر، عملت على دعم أجهزة الأمن ومنظوماتها الاستخبارية، ومولت انشاء السجون وأقبية الاعتقالات، وكانت دائماً ما تتم المقارنة بين فضائل الكويت التي تدعم التعليم( العام والعالي) والصحة ومشاريع البنية التحتية، وبين السعودية التي تنتج سلطة قهر وتجهيل من الاتباع والموالين لخدمة مشاريعها، وعللا راسها ابقاء اليمن فقيراً ومستودعا لنفاياتها السياسية والتطرف الديني.

طيلة فترة الثمانينات كان الأمير سلطان بن عبد العزيز – المسئول الأول في اللجنة الخاصة التي تشكلت لإدارة الملف اليمني- هو الحاكم الفعلي لليمن الشمالي، وإن حالة الضبابية التي كان يسوقها الاعلام عن العلاقة بين السلطتين، وبدأت بالتأثير المباشر على وضع المغتربين والعملة، لم تصل إلى حد التعارض والقطيعة.. صحيح أن سلطة صنعاء كانت تقترب اكثر من نظام صدام الذي خرج من حرب الخليج الأولى مزهواً ومؤثرا في المحيط الاقليمي، وتالياً بانحيازها الكامل لعملية الغزو الصدامي للكويت في مطلع أغسطس 1990 بدأت العلاقات تأخذ منحى أخر، استخدمت فيها السعودية ورقة المغتربين للضغط على سلطة الدولة الجديدة التي تشكلت في مايو 1990 من توحيد شطري اليمن، وعجزت عن ايقافها حين اوفدت وزير خارجيتها ( سعود الفيصل) إلى عدن حاملاً وعودها الكبيرة بالدعم الاقتصادي والسياسي مقابل التنصل عن خطوات الوحدة.!!

وحين دعمت ورقة الانفصال في حرب صيف 1994، كانت تراهن على تفكيك الدولة الوليدة، لكنها وبالاتفاق من الأمريكان، سمحت للقوات الشمالية بالسيطرة على الجنوب، مقابل الكثير من التنازلات ومنها تدمير منظومة القوات المسلحة الجنوبية وعقيدتها، والسماح لصندوق النقد والبنك الدولي برسم السياسات المالية والاقتصادية للدولة، ووقف امتيازات التنقيب في مناطق حيوية، والأهم التوقيع على اتفاقية الحدود النهائية؛ وخلال خمسة أعوام كانت كل هذه التنازلات متحققة على الأرض. فقد تم تدمير الأسلحة السوفيتية وتفكيك منظومة القوات المسلحة وتسريح الوف الضباط وتقاعدهم، ثم بدأت خصخصة مؤسسات الدولة وتمليكها كفضاءات وخردة للمحاسيب، وترافقت مع عملية رفع الدعم عن السلع والخدمات، والغاء امتيازات التنقيب في المناطق الحدودية، وتوج كل ذلك باتفاقية توقيع اتفاقية الحدود في 2000، وفيها تنازلت سلطة صالح عن مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية، مقابل رشى كبيرة تحصل عليها قيادة الصف الأول فيها( رئيس الدولة ونائبه ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء ونائبه لشئون الدفاع والأمن ووزير الخارجية)، إلى جانب الرشى الصغيرة للبقية.

حين تقدمت بالمبادرة الخليجية لتجاوز حالة 2011، أوجدت الكثير من المخارج السياسية والقانونية لحلفائها، ليعيدوا اقتسام السلطة من جديد، على ذات قاعدة 1970 التي هندست لها، لكنها هذه المرة اصطدمت بقوة جديدة تربت خارج حضنها، وتوالي سياسياً وايديولوجيا عدوها الاقليمي (إيران).

حاربتها منذ ربيع 2015 بأدواتها الفاسدة، وبسياساتها الهلامية، لتخرج، هذه القوى، بعد ثمانية أعوام أكثر قوة، أو هكذا اُريد لها أن تكون من قبل القوى الاقليمية والدولية، التي أعادت إليها الحياة في أكثر من محطة ماتت فيها.

تركت السعودية حليفتها الإمارات تنفيذ مخطط تفخيخ الجنوب بالسلفيين والمتطرفين والعصبويين القرويين، من أجل تعميم الفوضى في كل الجغرافيا، لتكون المقارنة لصالح الطرف المدلل في الشمال.. ظن الكثيرون أن الامارات تدعم توجه استعادة الدولة (الجنوبية)، لكنها في الأصل تعمل على تعميم الفوضى في المحيط، لتبدوا هي الدولة الأكثر استقرارا في المنطقة، والانموذج الأوحد القادر على جذب الاستثمارات، وأنها تستخدم أدواتها لإنفاذ تعطيل التعافي في الممر المائي الاستراتيجي حتى لا تموت موانئها.

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023