آخر الأخبار

لماذا خيار الإقليم الشرقي؟ (الجزء الأول)

الأحد, 28 أبريل, 2024

تعد مقولة الناقد الفرنسي رولان بارت "موت المؤلف "والتى طرحها في مقال نشر عام 1967م ثورة ضد النقد التقليدي سرعان ما تحولت هذه المقولة إلى منهج رصين في التعاطي مع النص الأدبي في العصر الحديث، والنظرية بشكلها المبسط قائمة على فصل الكاتب والنص، وكأننا لانعرف شيئًا عن الكاتب متغافلين عن حياته وانتمائه، والسبب وراء هذا النص والانطلاق والانتهاء من النص نفسه.
 
ولأن الفكرة لا تنسف إلا بفكر ومنطق سليمين يدحضانه برؤية عقلية ذات حجج برغم محاولة البعض تكميم الأفواه بالجرح والتخوين والتسفيه فحال الفكرة كما قال غسان كنفاني تسقط الأجساد لا الفكرة.
 كانت هاتان العباراتان مدخلًا لمقالات تشرح رأيي في الإقليم.
 
في اليوم الذي أحرق المواطن التونسي البوعزيزي نفسه تعبيرًا عن وصول الظلم لحد يستوجب الانفجار لتتدحرج كرة اللهب سريعًا، وتلتهم العديد من العواصم العربية ومن بينها صنعاء حاضرة القرار السياسي على يد فتية آمنوا بالحرية والتغيير بيد أن المراقب للوضع السياسي العربي يجد أن اول من صدح بالتغيير ورفع الظلم كان الحراك السلمي في جنوب اليمن 2007م،  بعد أن فاض بهم الكيل من الغبن بعد وحدة اندماجية غير مشروطة إلا بهوى وعاطفة وطنية شعبية سرعان ما تلاشت، وانفجر الصراع بين طرفي الوحدة ليحسم الطرف المنتصر آنذاك المتمثل بقوات صنعاء ويستفرد بالقرار والثروة، ويهمش الطرف الاصيل الشريك معه ليكمن الجمر على الرماد، والذي انهالت عليه رياح الظلم والتجبر والطغيان ليلهب جذوته بعد 13عامًا كانت مكامن وهجه في المناطق الغربية من جنوبي اليمن والتي لامسها الكثير من الظلم والحرمان.
  
بيد أن المحافظات الشرقية لم تكن بذاك الزخم المماثل للغرب وذلك لأن الظلم الواقع عليهم قديم إبان توحّدها في دولة ج ي د ش عام 1967م. فقد تمت الوحدة الاندماجية بين السلطنات في 67 كانت أكبر تلك السلطنات سلطنة المهرة وسقطرى بفعل المد القومي الذي عمّ المنطقة آنذاك، وكانت وثيقة الاتحاد تنص على الحكم الفيدرالي بيد أن الرفاق العسكر انقلبوا على تلك الوثيقة وتم ترحيل السلاطين للمنفى، وانفرد فصيل الجبهة القومي مقصيا الجميع.
 
وهذا الفصيل يغلب عليه أبناء المحافظات الغربية من الجنوب اليمني وتم اختيار أيدلوجية لا يمكن أن تتوافق مع طبيعة وعقلية أبناء المحافظات الشرقية بطبيعتهم الميالة للرأسمالية والمجتمع المدني الطبقي لحدٍ ما لتصبح الدولة الوليدة قنبلة مؤقتة لدول الجوار والمنطقة فكان الجيش والقضاء والسلك الدبلوماسي وكل المفاصل الحيوية للدولة بأيديهم، ولم يكن بأيدي أبناء المحافظات الشرقية والمهرة بوجه الخصوص إلا النزر اليسير والتمثيل البسيط.
 
ورغم كل هذا لم يدم الوئام لأبناء تلك المحافظات رغم استحواذ هم على الدولة طويلاً فقد انفجر الصراع بينهم بغطاء ظاهره فكري وباطنه مناطقي في يناير 1986م، وينفرد أبناء المثلث (يافع الضالع ردفان) على القرار السياسي بواجهة حضرمية لاحول ولاقوة لها ممثلة بالرئيس الأسبق علي سالم البيض الذي هرول لوحدة إندماجية هروبًا من تسلط الرفاق.
 
وبناءً على ماسبق لم يستطع الانتقالي حتى الآن أن يؤسس قاعدة صلبة له في المحافظات الشرقية فلا زال الجرح غائراً بسبب ما وقع على أهلها من ممارسات تعسفية ارتبطت بالهوية الجنوبية الوليدة عام 67 والتى لم ترسخ الانتماء الوطني لديهم وخصوصا لدى بعض الطبقات الاجتماعية كالأشراف والقبائل الصحرواية التي فضّلت موسم الهجرة فرادا و زلافى في شتى أصقاع المعمورة ليصبح المهاجرون بأعداد قد تفوق من هم بالداخل في بعض المحافظات.
 
ورغم كل ماسبق لا ينكر أحد فضل الحراك السلمي في رفع صوت المظلوم شمالا وجنوبا، وما سطّره من ملاحم وما قدّمه من تضحيات على يد أنصاره بوجه الخصوص والتي على مايبدو لم تكن قيادته بمستوى تضحيات أنصاره لتتفرخ المكونات المتحدة في الهدف والطريقة والمختلفة في الهوى بسبب ترسبات الماضي أحيانًا، والمتاجرة بالقضية في أحايين كثيرة.
 
ومن هنا يتضح لنا أن السبب الحقيقي وراء كل هذه المصائب والمآسي في دوامة الصراعات اليمنية هو الإقصاء والتفرّد والعنجهية، وممارسة الوصاية على شريك الوطن، ومن هنا فأن أي عقد سياسي واجتماعي جديد بين اليمنيين لابد أن يكون على أسس وأعراف ومواثيق مبنية على الإنصاف والعدالة فلم يعد بوسع أحد ان يعيد نفس السذاجة التي حصلت في الزيج السياسية غير العادلة في المراحل السابقة.
 
من خضم هذا الاحداث المتتالية انبثق نور يضيء دجاجير محافظة المهرة المحافظة المنسية التي كانت خارج دائرة في الضوء بعد أفول نجمها حال انهيار السلطنة المهرية التي وصلت مراحل متقدمة سبقت بها الكثير من السلطنات والإمارات والمشايخ في الجزيرة العربية من الاحترام والاعتراف فأصبح جوازها طوق نجاة لليمنيين وبوابتهم للعالم الخارجي، ففي عام 2013 نادى العديد من أبنائها برد الاعتبار لمحافظتهم فتم تشكيل مجلس عام بقيادة النجل الأكبر لآخر سلاطين المهرة، وتم إعداد رؤية تكاد تكون سابقة للأحداث، وأكثر الرؤى واقعية إذ طالبت بإقليم مستقل لأبناء المهرة وسقطرى في دولة اتحادية، وهذه الرؤية تم عرضها على الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، ولاقت استحسانه واستحسان الكثير من أبناء الوطن، وأجمع عليها كل أعضاء الحوار الوطني من أبناء المحافظة على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم بيد أن الرياح لم تأتِ بما تشتهي سفينة المهرة وأبناؤها.. فالإقليم يتطلب الكثير من المقومات التي قد يتعذر بعضها بالنسبة لمطلب المهرة وسقطرى، ومن هنا لم تتوفر لدى القائمين على المطلب بعض المرونة التي سبقوا بها الجميع في رؤيتهم في فرصة ذهبية برعاية أممية وإقليمية ليتحجروا ويتحجر المقابل، وشاءت الأقدار أن تتفرق أيادي المهرة ليكون المجلس مجلسين، وينضم رئيس المجلس العام الشيخ عبدالله بن عيسى للانتقالي ليتهمه البعض بالتنازل عن مطلب الإقليم المهري السقطري لصالح رؤية الانتقالي الذي هو بدوره كان مرناً بإسقاط رؤيته الت أوهم بها أنصاره وأجمعوا عليها، ويظهر ذلك من خلال الاتفاقيات والمواثيق التي أبرمها، فقبل بشراكة المناصفة مع الشرعية ليصبحوا ليلا بعلم الانفصال، وصباحا بعلم الجمهورية، ويصبح المجلس العام منطوي تحت الانتقالي بذريعة إقليم داخل إقليم الجنوب، وهو ما لا ينطوي على ذي عقل لبيب ليظهر لنا في عقدة الصراع اليمني بعد الاقصاء والتفرد عدم المرونة في التعاطي السياسي مع الواقع والمتغير الزمني فالسياسة لا تدار بالعواطف والانفعالات فهي فن الممكن فلا الغلو إلى حد الإفراط ولا الانجرار إلى تفريط … يتبع